فصل: فصل في كون الآية في أعلى درجات البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.
وهنا نلاحظ أن النسق القرآني يأتي مرة فيقول: {يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم}. ويأتي هنا ليقول النسق القرآني: {ولكم في القصاص}. التشريع الدقيق المحكم يأتي بواجبات وبحقوق؛ فلا واجب بغير حق، ولا حق بغير واجب، وحتى نعرف سمو التشريع مطلوب من كل مؤمن أن ينظر إلى ما يجب عليه من تكاليف، ويقرنه بما له من حقوق، ولسوف يكتشف المؤمن أنه في ضوء منهج الله قد نال مطلق العدالة. إن المشرع هو الله، وهو رب الناس جميعا، ولذلك فلا يوجد واحد من المؤمنين أولى بالله من المؤمنين الآخرين. إن التكليف الإيماني يمنع الظلم، ويعيد الحق، ويحمي ويصون للإنسان المال والعرض. ومن عادة الإنسان أن يجادل في حقوقه ويريدها كاملة، ويحاول أن يقلل من واجباته، ولكن الإنسان المؤمن هو الذي يعطي الواجب تماما فينال حقوقه تامة، ولذلك يقول الحق: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.
إن القصاص مكتوب على القاتل والمقتول وولي الدم. فإذا علم القاتل أن الله قد قرر القصاص فإن هذا يفرض عليه أن يسلم نفسه، وعلى أهله ألا يخفوه بعيدًا عن أعين الناس؛ لأن القاتل عليه أن يتحمل مسئولية ما فعل، وحين يجد القاتل نفسه محوطًا بمجتمع مؤمن يرفض القتل فإنه يرتدع ولا يقتل، إذن ففي القصاص حياة؛ لأن الذي يرغب في أن يقتل يمكنه أن يرتدع عندما يعرف أن هناك من سيقتص منه، وأن هناك من لا يقبل المداراة عليه. ونأتي بعد ذلك للذين يتشدقون ويقولون: إن القصاص وحشية وإهدار لآدمية الإنسان، ونسألهم: لماذا أخذتكم الغيرة لأن إنسانًا يقتص منه بحق وقد قتل غيره بالباطل؟ ما الذي يحزنك عليه. إن العقوبة حين شرعها الله لم يشرعها لتقع، وإنما شرعها لتمنع. ونحن حين نقتص من القاتل نحمي سائر أفراد المجتمع من أن يوجد بينهم قاتل لا يحترم حياة الآخرين، وفي الوقت نفسه نحمي هذا الفوضوي من نفسه؛ لأنه سيفكر ألف مرة قبل أن يرتكب جريمة.
إذن فالقصاص من القاتل عبرة لغيره، وحماية لسائر أفراد المجتمع ولذلك يقول الحق سبحانه: {ولكم في القصاص حياة}. إن الحق يريد أن يحذرنا أن تأخذنا الأريحية الكاذبة، والإنسانية الرعناء، والعطف الأحمق، فنقول: نمنع القصاص. كيف نغضب لمعاقبة قاتل بحق، ولا نتحرك لمقتل برئ؟ إن الحق حين يشرع القصاص كأنه يقول: إياك أن تقتل أحدًا لأنك ستقتل إن قتلته، وفي ذلك عصمة لنفوس الناس من القتل. إن في تشريع القصاص استبقاء لحياتكم؛ لأنكم حين تعرفون أنكم عندما تقتلون بريئا وستقتلون بفعلكم فسوف تمتنعون عن القتل، فكأنكم حقنتم دماءكم. وذلك هو التشريع العالي العادل.
وفي القصاص حياة؛ لأن كل واحد عليه القصاص، وكل واحد له القصاص، إنه التشريع الذي يخاطب أصحاب العقول وأولي الألباب الذين يعرفون الجوهر المراد من الأشياء والأحكام، أو غير أولي الألباب فهم الذين يجادلون في الأمور دون أن يعرفوا الجوهر منها، فلولا القصاص لما ارتدع أحد، ولولا القصاص لغرقت البشرية في الوحشية. إن الحكمة من تقنين العقوبة ألا تقع الجريمة وبذلك يمكن أن تتواري الجريمة مع العقوبة ويتوازن الحق مع الواجب. إن المتدبر لأمر الكون يجد أن التوازن في هذه الدنيا على سبيل المثال في السنوات الماضية يأتي من وجود قوتين عظميين كلتاهما تخشى الأخرى وكلتاهما تختلف مع الأخرى، وفي هذا الاختلاف حياة لغيرهما من الشعوب، لأنهما لو اتفقتا على الباطل لتهدمت أركان دولتهما، وكان في ذلك دمار العالم، واستعباد لبقية الشعوب.
وإذا كان كل نظام من نظم العالم يحمل للآخر الحقد والكراهية والبغضاء ويريد أن يسيطر بنظامه لكنه يخشى قوة النظام الآخر، لهذا نجد في ذلك الخوف المتبادل حماية لحياة الآخرين، وفرصة للمؤمنين أن يأخذوا بأسباب الرقي العلمي ليقدموا للدنيا أسلوبًا لائقًا بحياة الإنسان على الأرض في ضوء منهج الله. وعندما حدث اندثار لقوة من القوتين هي الاتحاد السوفيتي، فإن الولايات المتحدة تبحث الآن عن نقيض لها؛ لأنها تعلم أن الحياة دون نقيض في مستوى قوتها، قد يجري الصغار عليها. إن الخوف من العقوبة هو الذي يصنع التوازن بين معسكرات العالم، والخوف من العقوبة هو الذي يصنع التوازن في الأفراد أيضا.
إن عدل الرحمن هو الذي فرض علينا أن نتعامل مع الجريمة بالعقاب عليها وأن يشاهد هذا العقاب آخرون ليرتدعوا. فهاهو ذا الحق في جريمة الزنى على سبيل المثال يؤكد ضرورة أن يشاهد العقاب طائفة من الناس ليرتدعوا. إن التشديد مطلوب في التحري الدقيق في أمر حدوث الزنى؛ لأن عدم دقة التحري يصيب الناس بالقلب ويسبب ارتباكا وشكا في الأنساب، والتشديد جاء أيضا في العقوبة في قول الحق: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} سورة النور.
إن الذي يجترئ على حقوق الناس يجترئ أيضا على حقوق الله، ولذلك فمقتضى إيثار الإيمان هو إرضاء الله لا إرضاء الناس. وفي إنزال العقاب بالمعتدي خضوع لمنهج الله، وفي رؤية هذا العقاب من قبل الآخرين هو نشر لفكرة أن المعتدي ينال عقابًا، ولذلك شرع الحق العقاب والعلانية فيه ليستقر التوازن في النفس البشرية. وبعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليعالج قضية اجتماعية أخرى. إن الحق بعد أن عالج قضية إرهاق الحياة ينتقل بنا إلى قضية أخرى من أقضية الحياة، إنها قضية الموت الطبيعي. كأن الحق بعد أن أوضح لنا علاج قضية الموت بالجريمة يريد أن يوضح لنا بعضًا من متعلقات الموت حتفا من غير سبب مزهق للروح. إن الحق يعالج في الآية القادمة بعضًا من الأمور المتعلقة بالموت ليحقق التوازن الاقتصادي في المجتمع كما حقق بالآية السابقة التوازن العقابي والجنائي في المجتمع.
يقول الحق: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.
أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله: {ولكم في القصاص حياة} يعني نكالًا وعظة إذا ذكره الظالم المعتدي كف عن القتل.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لأولي الألباب، وفيه عظة لأهل الجهل والسفه، كم من رجل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها، ولكن الله حجز عباده بها بعضهم عن بعض، وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة، وما نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد، والله أعلم بالذي يصلح خلقه.
وأخرج ابن جرير عن السدي {في القصاص حياة} قال: بقاء لا يقتل القاتل إلا بجناية.
وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد في قوله: {ولكم في القصاص حياة} قال: يناهي بعضهم عن بعض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} يعني من كان له لب أو عقل يذكر القصاص فيحجزه خوف القصاص عن القتل {لعلكم تتقون} لكي تتقوا الدماء مخافة القصاص.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء. أنه قرأ {ولكم في القصاص حياة} قال: قصص القرآن.
وأخرج آدم والبيهقي في سننه عن أبي العالية {فمن اعتدى} قتل بعد أخذه الدية {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} يقول: حين أعطيتم الدية ولم تحل لأهل التوراة إنما هو قصاص أو عفو، وكان أهل الإِنجيل إنما هو عفو وليس غيره، فجعل الله لهذه الأمة القود والدية والعفو {ولكم في القصاص حياة} يقول: جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتل فيمنعه منه مخافة أن يقتل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.

.فصل في كون الآية في أعلى درجات البلاغة:

اتفق علماءُ البَيَانِ على أَنَّ هذه الآية في الإيجازِ مع جميع المعاني باللّغةٌ بالغةٌ أعلى الدَّرجَات؛ فإنَّه قولَ العَرَبِ في هذا المعنى القَتْلُ أَوْقَى لِلْقَتْلِ، ويروى أَنْفَى لِلْقَتْل، ويروَى أَكَفُّ لِلْقَتْلِ، ويروى قَتْلُ البَعْضِ أَحْيَا الجَمِيع، ويروى: أَكْثِروا القَتْلَ ليقلَّ القَتْلُ فهذا وإن كان بليغًا فقد أَبْدَتِ العُلماءُ بَيْنه وبيْنَ الآية الكريمةِ وجوهًا عديدةً في البلاغة، وُجدت في الآية الكريمة دونه:
منْها: أَنَّ في قولِهِم تكرارَ الاسم في جُمْلةٍ واحدةٍ.
ومنها: أَنَّهُ لابد مِنْ تقدير حَذْفٍ؛ لأنَّ أَنْفَى وأَوقَى وأَكَفُّ أفعل تفضيل فلابد من تقدير المفضَّل عليه، أي: أنفى لِلْقتلِ مِنْ تركِ القتل.
ومنها: أنَّ القِصَاص أَعَمُّ؛ إِذ يوجد في النَّفْس وفي الطَّرف، والقتلُ لا يكون إلاَّ في النَّفسِ.
ومنها: أَنَّ ظاهر قولهم كونُ وجود الشيء سَبَبًا في انتفاءِ نفسه.
ومنها: أَنَّ في الآية نَوعًا من البديع يُسمَّى الطبَاقَ، وهو مقابلةُ الشيءِ بضدِّه، فهو يُشبه قوله تعالى: {أَضْحَكَ وأبكى} [النجم: 43].
قوله: {يا أولي الألباب} منادًى مضافٌ وعلامة نصبه الياءُ، واعلم أنَّ {أُولِي} اسمُ جَمع؛ لأَنَّ واحده، وهو ذو من غَير لفظه، ويجري مَجرى جمع المذكَّر السَّالم في رفعه بالواو ونصبه وجرِّه بالياء المكسور ما قبلها، وحُكمه في لُزُوم الإضافة إلى اسم جنس حكمُ مفردِهِ، وقد تقَدَّمَ في قوله تعالى: {ذَوِي القربى} [البقرة: 177] ويقابلُهُ في المؤنث أُولاَت وكتبًا في المُصْحف بواوٍ بعد الهمزة؛ قالوا: ليفرِّقوا بين أُولِي كَذَا في النَّصْب والجَرِّ، وبن إلى الَّتي هي حرفُ جرٍّ، ثم حمل باقي البَابِ علَيْه، وهذا كما تقدَّمَ في الفَرق بين أُولَئِكَ اسْمَ إشارةٍ، وإِلَيْكَ جارًا ومجرورًا وقد تقدَّم، وإذا سَمَّيْتَ بأولى، من أُولِي كَذَا قلت: جَاءَ أُلُونَ، وَرَأَيْتَ أُلِينَ بردِّ النُّون؛ لأَنَّها كالمقدَّرة حالة الإضافة، فهو نظيرُ ضَارِبُوا زَيْجٍ وَضَارِبي زَيْدٍ.
والأَلبَابُ: جمع لُبٍّ، وهو العقلُ الخالي من الهوَى؛ سمِّي بذلك لأحَدِ وَجهين:
إما لبنائِهِ مِنْ لَبَّ بالمَكَانٍ: أَقَامَ به وإِمَّا من اللُّبَابِ، وهو الخَالِص؛ يقال: لَبُيْتَّ بالمكان، ولَببْتُ بضمِّ العين، وكسرها، ومجيء المضاعف على فَعُل بضم العَين شاذٌّ، استغنَوْا عنه بفَعَلَ مفتوح العين؛ وذلك في أَلفاظ محصورةٍ؛ نحو عَزُزْتُ، وسَرُرْتُ، ولَبُبْبُ، ودَمُمْتُ، ومَلُلْتُ فهذه بالضمِّ وبالفَتْح، إلاَّ لَبُبُبُ فبالضمِّ والكَسْر؛ كما تقدَّم.
قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: قال الحسن والأصمُّ: لعلَّكمْ تَتَّقُونَ نفْس القَتْل؛ بخَوف القِصَاصِ.
وقيل: المرادُ هوالتقْوَى من كُلِّ الوُجُوه.
قال الجُبَّائِيُّ: هذا يَدُلُّ على أنَّهُ تعالى أراد التَّقْوى مِنَ الكُلِّ، سواءٌ كان في المعْلُوم أنهم يَتَّقُونَ أَوْ لاَ يَتَّقُون بخلاف قول المُجْبِرَةِ، وقد سَبَق جوابُه.
فإِن قيل لَعلَّ للتَّرَجِّي، وهو في حقِّ اللَّهِ تعالى محالٌ، فجوابهُ مَا سَبَقَ في قوله تعالى: {والذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (180):

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما حث سبحانه وتعالى على بذل المال ندبًا وإيجابًا في حال الصحة والشح وتأميل الغنى وخشية الفقر تصديقًا للإيمان وأتبعه بذل الروح التي هو عديلها بالقتل الذي هو أحد أسباب الموت أتبع ذلك بذله في حال الإشراف على النقلة والأمن من فقر الدنيا والرجاء لغنى الآخرة استدراكًا لما فات من بذله على حبه فقال- وقال الحرالي: لما أظهر سبحانه وتعالى وجوه التزكية في هذه المخاطبات وما ألزمه من الكتاب وعلمه من الحكمة وأظهر استناد ذلك كله إلى تقوى تكون وصفًا ثابتًا أو استجدادًا معالجًا حسب ما ختم به آية: {ليس البر} من قوله: {هم المتقون} وما ختم به آية القصاص في قوله: {لعلكم تتقون} رفع رتبة الخطاب إلى ما هو حق على المتقين حين كان الأول مكتوبًا على المترجين لأن يتقوا تربية وتزكية بخطاب يتوسل به إلى خطاب أعلى في التزكية لينتهي في الخطاب من رتبة إلى رتبة إلى أن يستوفي نهايات رتب أسنان القلوب وأحوالها كما تقدمت الإشارة إليه، ولما كان في الخطاب السابق ذكر القتل والقصاص الذي هو حال حضرة الموت انتظم به ذكر الوصية لأنه حال من حضره الموت، انتهى- فقال: {كتب عليكم} أي فرض كما استفاض في الشرع وأكد هنا بعلى، ثم نسخ بآية المواريث وجوبه فبقي جوازه، وبينت السنة أن الإرث والوصية لا يجتمعان، فالنسخ إنما هو في حق القريب الوارث لا مطلقًا فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله سبحانه وتعالى أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» رواه أحمد والأربعة وغيرهم عن عمرو بن خارجة وأبي أمامة رضي الله تعالى عنهما {إذا حضر أحدكم الموت} أي بحضور أسبابه وعلاماته {إن ترك خيرًا} أي ما لا ينبغي أن يوصى فيه قليلًا كان أو كثيرًا، أما إطلاقه على الكثير فكثير، وأطلق على القليل في {إني لما أنزلت إليّ من خير فقير} [القصص: 24] ثم ذكر القائم مقام فاعل كتب بعد أن اشتد التشوف إليه فقال: {الوصية} وذكر الفعل الرافع لها لوجود الفاصل إفهامًا لقوة طلبه {للوالدين} بدأ بهما لشرفهما وعظم حقهما {والأقربين بالمعروف} أي العدل الذي يتعارفه الناس في التسوية والتفضيل. قال الحرالي: وكل ذلك في المحتضر، والمعروف ما تقبله الأنفس ولا تجد منه تكرهًا. انتهى.
وأكد الوجوب بقوله: {حقًا} وكذا قوله: {على المتقين} فهو إلهاب وتهييج وتذكير بما أمامه من القدوم على من يسأله على النقير والقطمير. اهـ.